Saturday, June 5, 2010

بعد التحية


نحن في مأزق، بعد أن أصبحنا نعيش على هامش هذا العالم، وأعني بذلك العالم العربي بوجه العموم والكويت بوجه الخصوص، فحاضر ومستقبل الكويت مرتبط بالدرجة الأولى بحاضر ومستقبل الشعوب العربية، يكمن هذا المأزق في عدم القدرة على التفاعل مع شعوب العالم بل والإنعزال التدريجي عن العالم الخارجي تحت وطأة أنظمة استبدادية وأصولية، حتى بات العرب عالة على هذا العالم وزوالهم يحقق المزيد من الإسقرار لدى مخيلة الكثيرين.

وإن وجدت القليل من المحاولات البسيطة والمتواضعة من أجل خلق و ترسيخ بعض القيم الإنسانية من عدل وحرية وكرامة، إلا أنها محدودة مع يستحقه الإنسان، وقد تكاد تكون معدومة في بعض تلك الأقطار، فهناك كمٌ بسيط وبدائي من الممارسات الديمقراطية وحرية التعبير وحقوق الإنسان والتي لا تزال غير مستقرة.

هذه التجارب والمحولات غير ناجحة وبعيدة عن الإسقرار لأنها محاطة بعدة عقبات تمنعها عن التواجد المطلوب أو الممارسة الحقيقية، سواء على المستوى الكويتي أو على مستوى المناطق المحيطة بالكويت، والتي تتفاوت فيها توفر هذه القيم الأساسية، والتي قد تسبقها الكويت بمعدل بسيط جداً نظراً لظروف معينة.

وبقدر ما تتواجد هذه القيم والحريات في الكويت إلا أنها تتحدد بحضورها بدول ومناطق الجوار، وبكلمات آخرى لن تترسخ هذه القيم بالشكل المطلوب الذي يجب أن تصل إلى ركيزة أساسية هي الإستقرار وغاية ملحة هي الإستمرار إلا إذا توافرت لدى المنطقة برمتها، وهذا هو التحدي الحالي لدى شعوب المنطقة.

لقد عاشت الأقطار العربية إخفاقات كثيرة في القرن الماضي تزامنت مع أحداث مهمة غيرت من مسار هذا العالم، وبالمقابل تولدت أنظمة قمعية زادت من حدة هذا الإخفاق، وفي السنوات الأخيرة تعيش الشعوب العربية مرحلة يغلب عليها الإحباط وخيبة الأمل، وهذا الشعور ولد اليأس والعجز الكامل لمحاولة النهوض من جديد، قد لا يخفى أن الأسباب وراء هذا العجز الكامل تكمن في عدم القدرة على معرفة أو ربما قراءة الأسباب الحقيقية التي أولت إلى تلك الإخفاقات المتتالية، وإلى الآن ليست هناك محاولات جدية لمعرفة تلك الأسباب، ومع مرور الزمن تتسع الفجوة بين العالم المتقدم والعوالم المتخلفة، والتي تشكل الخطر الحقيقي أمام تلك الشعوب وحصرها بين خيارين إما البقاء والإستمرار كحضارة لها ثقافتها التي تميزها عن العوالم الآخرى والتي تساهم في بناء الحضارة الإنسانية، أو الفناء والإندراج تحت ثقافات وحضارات آخرى.

قد لا تتبين مظاهر الخطر في بعض الأقطار العربية وخصوصاً النفطية، لأنها تمتلك ثروة خلقت وهماً بأن هذه الدول تعيش حياة مرفهة تغيب عنها احتملات الخطر، بل وصنعت صورة وهمية تحجب المعانات الحقيقية والمخاطر المستقبلية لدى الشعوب العربية، وجدير بالذكر بأن هذه الثروة ليست نتاج عمل أو تطور حقيقي ولكنها جاءت بالصدفة، والأمر المأساوي الآخر هو أن هذه الثروة ليست لها ركائز تمكنها من الإستمرار بل هي مرتبطة بالعامل الزمني بالدرجة الأولى، ولسوء استخدام هذه الثروة تولدت مجتمعات استهلاكية لدرجة مخيفة، ومجتمعات لا منتجة ولكنها متلقية من الدول الرائدة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.

إذاً فالإخفاق وعدم القدرة على النهوض يكاد يطال جميع الأقطار العربية النفطية واللانفطية، فجميع تلك الدول تعيش حاضر تعيس يغلب علية التخلف و تغيب عنه القيم الإنسانية، وتعيش ضبابية وشلل نحو رؤية المستقبل المطلوب، بصرف النظر عن العامل النفطي الذي ليس إلا ستار يحجب مظاهر الخطر أمام بعض أقطار العالم العربي، وتنحرف الفكرة الحقيقية نحو فهم بناء الحضارة ليكون مجرد مباني خرسانية لن تشفع لأصحابها يوم ينفذ ما لديهم من نفط.

إن مستقبل الكويت والدول العربية مرتبط بالدرجة الأولى بمدى قدرتها على النهوض مجدداً واللحاق بالعالم الذي بات يتقدم بسرعة هائلة بسبب التطور التكنلوجي الكبير الذي ضاعف من إمكانية اللحاق به، واكرر بأننا امام خياران أما محولة النهوض مجدداً أو الفناء والزوال إلى أجل غير مسمى، وما أسعى إليه هنا هو محاولة متواضعة للحوار في أسباب الإخفاق وتوسيع دائرة النقاش، والخوض في مواضيع عديدة عن الكويت بشكل خاص والخليج والعالم العربي بشكل عام، تتركز حول نقاش فكري عقلاني حول بعض القضايا الأساسية، وذلك من خلال تسليط الضوء على الثقافة ودور الاعلام، وتأثير الإيديلوجيات في المجتمعات العربية وبالسياسة، بالإضافة إلى تسليط الضوء على بعض المساهمات الثقافية والأدبية من بعض مثقفي العرب، لتكون ولو مجرد شمعة وسط عوالم من الظلام.