Thursday, December 16, 2010

قبل السياسة: ديمقراطية لا ديمقراطيين


قد تكون السياسة هي الهاجس الأكبر لدى الكثير من المهتمين بالشأن العام، وخصوصاً في بلد يعاني الكثير من الأزمات، أبرزها عدم الاستقرار السياسي، والذي يولد المواجهة الدائمة بين السلطة والقوى السياسية بمختلف الأسباب والمطالب، حيث أنه لا يخفى على أحد الأنشغال الدائم بالقضايا السياسية ومن قِبل أعداد كبيرة من أفراد المجتمع الكويتي، وكثيراً ما تتلقى الديمقراطية أو مطبقوها الاتهامات بفشلها في الكويت، ربما تحمل هذه العبارة جزءً كبيراً من الصحة، وقد يكون الفهم لها هو نقطة الخلاف، وبعنى آخر نوع البيئة التي تمارس بها هذه الديمقراطية.

وفي بلدٍ يعج بالكثير من العراقيل بدء من المستوى الخدماتي والبنية التحتية، وصولاً إلى إختلاف المفاهيم ودور مؤسسات المجتمع، إنتهاء بإنعدام الرؤية على المدى البعيد بل وحتى القريب، لتأتي السياسة فتكون الطريق الوحيد نحو حل جذري لجميع أزمات البلد، وتخلق الأوهام لدى الشريحة الأكبر بأن الأزمة هي قضية سياسية وتجاوزها يكمن في السياسة.

قد تخوض السياسة في العديد من المواضيع والقضايا التي تهم البلاد والمواطنين بشكل عام، وقد يحاول السياسيون إيجاد حلول للمطالب والعقبات التي تواجه مختلف القطاعات، ولكن غالباً ما تفشل السياسة في إيجاد الحلول أو تصحيح المسارات، وخصوصاً على المدى البعيد، ويمكننا تفسير ذلك بأن السياسة أمر طارىء وجزئي لا يغوص في عمق القضايا والمشاكل التي يعاني منها البلد، وبالمقابل تبحث السياسة عن الحلول الآنية التي تنظر إلى كافة المسائل نظرة تغلب عليها السطحية والمباشرة، وبالتالي النتائج السريعة والمباشرة، وذلك لأجل مكتسبات إنتخابية أو إخماد الرقابة الشعبية، وكذلك الإلحاح والإعتقاد بإمكانية وجود الحلول والأهداف بأسرع ما يمكن.

لا يمكن إلقاء الخلل على عاتق السياسة وحدها، وكذلك لا يمكن البحث عن حلول لجميع مشاكلنا عن طريق الخوض بالسياسة أو تسييس الأمور، لأنه دائماً ما تضع السياسة اهدفاً، بعيدةً كانت أم قربية، لتسعى للوصول إليها بالقانون أو ثغرات القانون، وأحياناً بمخالفة القانون، وهذا ما نراه كثيراً في بلدان العالم الثالث، ذلك لأن السياسة لا تبني بلداً، ولكنها تنظم البلد وتعمل على اسقراره بعد وجوده أصلاً، أي وجود الأساس لبلد ذو قوانين مدنية، وبالتجربة الكويتية بالتحديد، ما قد يضيف من تدهور المشكلة هي الفهم لا المفهوم للسياسة والديمقراطية، بحيث أنه كلما تم الحديث عن الأوضاع السيئة للبلد تكون السياسة في صدارة الأسباب بل وحتى الحلول إن وجدت.

وجدير بالذكر أنه عندما تمت الأصلاحات السياسية في الكويت في بداية الستينيات، وتم وضع دستور ينظم البلد ويشكل العلاقة بين السلطات، بالأضافة إلى صون الحقوق المدنية، وفي ذلك الوقت يعتبر انجازاً كبيراً بالمقارنة مع الدول المحيطة، وكذلك يعد نقلة نوعية من مجتمع بسيط إلى مجتمع مؤسساتي معقد، ولكن المجتمع آنذاك لا يزال غير مهيئ لكل تلك التغيرات، بحيث أنه يستوجب أن يجاور تلك الاصلاحات السياسية برنامج حكومي يعمل على اعداد الشعب لكي يتماشى مع هذه التطورات، ولكي يتم خلق مجتمع يعي مبدأ المواطنة وأهمية تلك الحقوق المدينة، ولأن السلطة أو الأسرة لم تكن مقتنعة بهذه التغيرات، بحيث أنها فقدت حجماً كبيراً من صلاحياتها، وما أقدم علية أمير الكويت آنذاك الشيخ عبدالله السالم قد يكون بمثابة الصدمة، لهذا بدأ هذا الصراع بين الأسرة والتجار مسبقاً والذي امتد لاحقاً ليكون من بعض أفراد الأسرة وشريحة أكبر بالمجتمع الكويتي، لذا فإنه من الواضح أن نرى سياسات الحكومات السابقة وإلى الأن التي لا تريد أن تنشر الوعي الديمقراطي والمدني لأفراد المجتمع سواء من خلال التعليم أو غيره، وزرعت ثقافة المجتمع الريعي المعتمد على الحكومة، وحاربت التيارات الوطنية، وتحالفت مع تيارات الأسلام السياسي، لأن زيادة الوعي الثقافي الديمقراطي للمجتمع ليس من مصلحة السلطة وقد يفقدها حتى ما تملكه الآن.

إذن فالخروج من كل هذا التخبط لا يأتي إلا برغبة شعبية، وقد لا يأتي من السلطة نفسها، وكذلك يجب أن ندرك بأن بناء بضع منازل للمواطنيين وزيادة الرواتب من قبل الحكومة لايعتبر الأصلاح المنشود، وللأسف أن هذه الأمور هي أولويات بعض النواب، وهذا دليل قاطع بأننا لا نزال نفتقد إلى الثقافة المدينة الديمقراطية.

لا يمكن إيجاد الحلول الأنية لكل شيء، فالمسألة أعمق من ذلك بكثير، وقبل ذلك يجب أن نعرف بأن الحل لا يأتي من فرد واحد أي الأيمان بنظرية المخلص أو القائد، حيث أن العمل الجماعي من أهم الركائز التي يجب أن نتكئ عليها، والتي تحتل الديمقراطية جزء كبير منها، ولكن لن نجني ثمارها إلا بعد مراحل عديدة وبيئة مختلفة وليس بالشكل الحالي، ذلك لأن النظرة نحو الديمقراطية لا تزال قريبة من أن تكون هدف وليس وسيلة، وبالطبع تكون السياسة أمر جزئي وليس رئيسي إذا كنا فعلاً عازميين على تغيير جذري في واقع الحال.

ويمكن حصر مجموعة من الحلول التي قد ترتكز على ثلاثة قواعد، تبدأ بمؤسسات الدولة المدنية والأكاديمية، والتي لاينحصر دورها بالمطالبة بالحقوق والعمل السياسي، وإنما تدخل إلى أوصال المجتمع، وتعمل الدراسات اللازمة والعمل الأكاديمي الجاد، وتعمل كبديل جيد للشباب، وإحياء الحياة اليومية.

أما الركيزة الثانية فهي التعليم، بحيث أنه المؤسس والأساس لأجيال سليمة قادرة على فهم واحترام الحياة والمواطنة، ليكون تأثير التعليم أكبر من تأثير البيئة السائدة والنظرة العامة للأمور، وقد تكرر الحديث عن هذه القضية من قبل الكثيرين، وإن إتفق جميعنا على وجود مشكلة في التعليم، فقد لا نتفق على طريقة الحل، وقد تكون السلطة أي السياسة هي المسؤول الأول عن هذه المشكلة، ويمكن تطويرها بالمطالبات والاصرار من قبل تحركات جماعية منظمة، أي يمكن التأثير والضغط خارج نطاق السياسة لتكون رغبة شعبية قبل أن تكون حكومية أو نيابية.

أما القطب الثالث والأهم، هو دور الثقافة والمثقف، ولا أعني الثقافة بالمفهوم الحالي أو بالمفهوم المأدلج، والذي يجرد الثقافة من كل شيء، فالثقافة والمثقف يخوضان في كل موضوع، وذلك للبحث والنقد، لإيجاد الحلول والبدائل الأفضل للإنسان مهما كلف الأمر، ولذلك دائماً ما يجد المثقف العديد من الخصوم والعقبات، أهمها السلطة وبعض التيارات التي تخشى على مواقعها، وكذلك الإغراءات المادية لإفساد الضمائر، أو اللجوء إلى السياسيين وتهميش دور المثقف أو ربما لجهل دوره، فالمثقف الحر يحرك مؤسسات المجتمع والأفراد وجميع من يرغب بتحسين وضع المعيشة والحياة، وبمعنى آخر وجود وإحياء عوامل آخرى كالثقافة والأدب والفن الراقي، جنباً إلى جنب مع العمل السياسي والتعليم الجيد، سوف يخلق نوعاً من التغيير المطلوب، ليس فقط من جانب الوضع المعيشي الملموس، وإنما تغيير الناس أنفسهم وزيادة مستوى الوعي لديهم.

لا أزعم أنها الحلول الوحيدة أو الجذرية لجميع أزمات البلد، ولكنها تخرج عن نطاق السياسة إلى حد ما، وتضع جميع الأفراد في كنف المسؤولية، وهي بالطبع على المدى البعيد جداً، ولا أعني هنا التوقف التام عن العمل السياسي، ولكن يمكن اعتباره موضوع جانبي إذا اردنا الحديث عن تغيير حقيقي، وبعد الوصول إلى مراحل تقدمية معينة، تأتي السياسة لتضع اللمسات والتعاملات الأخيرة لبلد دائم ومستقر.

Wednesday, December 8, 2010

حكمة

خلاصة القضية توجز في

"عبارة"

لقد لبسنا قشرة الحضارة

والروح جاهلية

نزار قباني

Monday, November 8, 2010

الآن...هُنا لعبدالرحمن مُنيف



"حين فرغت من رواية عبد الرحمن منيف الجديدة، أحسست حلقي جافاً، وغمرني شعور ذاهل بالعار، كيف نعيش حياتنا اليومية ونساكن هذا الرعب الذي يتربص بنا هنا... والآن؟ أي صملاخ بليد يحجب عن أسماعنا الصراخ والأنين، كي نواصل نومنا كل ليلة! أي ذاكرة مثقوبة تلك التي تتيح لنا أن نتناسى الآلاف الذين يهترئون في السجون هنا... والآن! هذا عار يكاد يلامس التواطؤ، من خوفنا، وغفلتنا، وصمتنا يغزل الجلاد سياطه. ومن خوفنا، وغفلتنا، وصمتنا تغصّ بنا السجون، تغدو الحياة هنا والآن كابوساَ من الجنون والرعب.
إن رواية عبد الرحمن منيف تمزق الصمت، وتعلن الفضيحة. هذه الأوطان - السجون الفضيحة، وهؤلاء المواطنون - المساجين فضيحة، وهذا التاريخ الشرق أوسطي معتقل يستنقع في الفضيحة. ورغم أن الرواية لا تلاحق هذه الفضيحة بتنوعاتها القطرية، وتعدد مستوياتها، فإنها تتعمد أن تظل قولاً ناقصاً، قولاً لا يكتمل إلا إذا أضاف القارئ عليه موقفاً أو فعلاً
.
وبين التعرية والتحريض، وبين النمنمة الفنية والوعي التاريخي، يبني عبد الرحمن منيف رواية –شهادة، لن نستطيع الاستغناء عنها إذا أردنا أن نعرف الــ الآن
... وهنا، وإذا أردنا أن نغير الــ هنا... والآن أيضاً"

سعد الله ونوس

الرواية...

Wednesday, October 20, 2010

كن بلسماً

لا تطلبنّ محبةً من جاهلٍ المرءُ ليس يُحَبُّ حتى يُفهما

وارفقْ بأبناء الغباء كأنهم مرضى، فإنّ الجهل شيءٌ كالعمى

والهُ بوردِ الروضِ عن أشواكه وانسَ العقاربَ إن رأيت الأنجما

إيليا أبو ماضي

Saturday, October 9, 2010

تخلف


للتطور مقاييس ومعايير دولية تحدد موقع الدول في تقسيمات التطور والتقدم، وعلى العكس من ذلك، فإن التخلف لا معايير له، فالتراجع في معدلات النمو والتعليم والصحة والحريات والاستقرار النفسي والمعيشي والمالي، هو من مؤشرات التخلف، ولا تسعى الأمم والشعوب إلى التخلف، ويحاول الشخص السوي ألا يتخلف في حياته، بل يستمر في الكفاح بالحياة لتحقيق النجاحات وإنجاز الطموحات.

والتخلف كلمة حديثة بمدلولاتها الاجتماسية (الاجتماعية - السياسية)، وهي مشتقة من جذر خلف، والخلف عكس السلف، والكلمتان مرتبطتان بدعاء شائع: «اللهم اجعله خير خلف لخير سلف»، ومنها خلف بمعنى وراء، والخلوف رائحة بقايا أكل الصائم، كما وردت في الحديث، والخَلْفة الناقة التي تدر الحليب وجمعها في لهجة أهل الخليج خلفات، والخِلْفة هي الأولاد. والتخلف العقلي مرتبط بالحالة العقلية ومستويات الذكاء لدى الأفراد، ويجادل البعض بأنها يمكن أن تكون حالة جماعية، أي أنها يمكن أن تصيب جموعا وأمما بأكملها.

وارتبطت كلمة التخلف بكلمة الرجعية إبان المد الثوري في الستينات، وتعاكست الكلمتان بالمعنى مع كلمة التقدمية. ومن الأخطاء الشائعة ارتباط التخلف بالقمة، فيقال: «قمة التخلف»، فالتخلف قاع وليس قمة، ويرتبط التخلف بالنهايات، حيث يقال: منتهى التخلف، وهو مصطلح منطقي في عالم العقل والمنطق، ولكن التخلف في عالمنا العربي والإسلامي بلا منطق، وليس له منتهى، فكلما اعتقدنا أن أمرا ما هو «قمة ومنتهى التخلف» فاجأنا أمر مستجد يجعل من سابقه قمة التقدم والتطور.

فعالمنا العربي العتيد يعج بمظاهر للتخلف مثيرة للشفقة جدا. حيث يأخذ أشكالا ونماذج عديدة. من حالات التخلف الثقافي أن مكتبتنا العربية تعج بردود بالعشرات على كتاب تافه لكاتب مغمور هو سلمان رشدي «آيات شيطانية»، ولكن الكتاب منع وما زال ممنوعا، فكيف ترد على شيء ممنوع وغير متوفر ولا هو بموجود؟ المشكلة - التخلف أن منع الكتب لا يزال يمارس في عالمنا حتى يومنا هذا، في عز ثورة الإنترنت والقدرة على تحميل أي كتاب من أي مكان وبأية لغة كانت!

من مظاهر التخلف السياسي، أن العراق لا يزال بلا حكومة بعد مضي أكثر من سبعة أشهر على تصويت ملايين العراقيين لحفنة من المرشحين، والأكثر تخلفا أن إرادة هذه الملايين التي صوتت يتم تجاهلها وتجري مشاورات تشكيل حكومتهم في طهران التي تصارع تشكيكا في صحة انتخاب رئيسها أصلا!

ياسر الحبيب شخصية دينية كويتية موتورة ومشبوهة، وهارب إلى لندن منذ شهور، سب وشتم عائشة بنت أبي بكر - زوجة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) - وهي التي توفاها الله منذ أكثر من أربعة عشر قرنا. غاية التخلف أن تجعل من شتم وسب الموتى منهجا فكريا وسياسيا. الحكومة الكويتية سحبت جنسية الحبيب عقابا له!! كانت الكويت قد سحبت جنسية سليمان بوغيث المتحدث باسم «القاعدة» الذي انقطعت أخباره. ما دخل الجنسية بما يقوله شخص ما مهما شذ قوله واعوج رأيه؟

أصوات التخلف تعالت احتجاجا على منع فرنسا وبلجيكا للنقاب في الأماكن العامة: بسيطة، لا تذهبوا إلى فرنسا وبلجيكا فأرض الله واسعة، وبلاد المسلمين - ولله الحمد والمنة - من باكستان شرقا وحتى مراكش غربا، ومن لا يعجبه قانون فرنسا ويصر على لبس النقاب فيها فليخرج منها حفاظا على نقابه! بل فليعتبر خروجه منها جهادا هربا وبدينه، تيمنا بالمسلمين الأوائل الذي فروا بدينهم للحبشة ثم إلى يثرب بسبب تضييق كفار قريش عليهم.

قمة ومنتهى التخلف في مناهج تعليمنا التي لا تزال تخلط تعليم المعتقدات الراسخة بالعلوم المتحركة، ثم ننظر في مخرجات تعليمنا ونمطّ شفاهنا استغرابا لمؤشرات «التخلف» في عالمنا.

Thursday, October 7, 2010

جروح الذاكرة لتركي الحمد

قد يضيع الإنسان في فهم ذاته، ويتوه في معرفة سر وجودها، فحاول منذ الأزل أن يجد لهذا اللغز حلاً يعينه على فهم ذاته التي لازالت غامضة، ليتوه بين دهاليز الزمان والمكان، هي أحد أعمال الروائي السعودي تركي الحمد، والتي عشنا بها معه وعاشت بنا في عوالم آخرى بعيدة كل البعد عن ما نتصور، وقريبة كل القرب على الذات الإنسانية، لتأتي راوية جروح الذاكرة فتحيا في عوالم آخرى وسط الواقع الدفين، لتجعلنا نتوقف قليلاً للتفكير في أنفسنا وفي حياتنا ومن هم حولنا، ولننظر إلينا وإلى هذا العالم من منظور مغاير.

هي لطيفة صالح الأثلة، التي تجسدت فيها هذه الروح الإنسانية، لتضيع بين حد زمانها ورقعة مكانها، عاشت طفولتها في إحدى قرى نجد المنسية، وأحكم الزمان قبضته على ذاكرتها هناك، لتخرج إلينا بتلك الذكريات عن الطفولة وكيفية العيش فى تلك الأيام، وما هي طبيعة الحياة، وكيف تحفر بنا من أفكار تبقى معنا حتى تحين لحظتنا، حتى وإن لم ندرك ذلك فقد تكون محفورة بنا في عقلنا اللاواعي، يتغير الحال على المنطقة بأسرها وتتغير حياة لطيفة من القرية إلى المدينة، ومن الفقر إلى الثراء، ولكن هذه الذكرايات لاتزال تحكم قبضتها عليها، وتظن لطيفة بأن هذا هو الزمان وهذه هي الحياة، جاءت فوجدتها كذلك، وجاء من هم قبلها فوجدوها كذلك، وسيأتي من بعدها ليجدها كذلك، فإما أن تسايرها وتعيش أو أن تفنى وتندثر، هذا ما تعلمته من الزمان، بصرف النظر عن ما إذا كان هذا الشيء صواب أم خطأ، فليس من حقها الإعتراض على ذلك ولا حتى النقاش فيه، فقد أصبح جزء من عقلها وأساساً لقناعاتها، وليس للناس من ذلك شيء، ولكنها تدرك لاحقاً وبعد أمدٍ طويل وعناء مريب بأنها كانت مخطئة، فالحياة هي الحياة لا تتغير ثابتة، ولكن الناس هم من يتغيرون وهم من يغيرون.

رواية رائعة...



Saturday, September 25, 2010

Friday, September 17, 2010

مقابلة مع الروائي الكويتي طالب الرفاعي


مقابلة مميزة أجرتها مجلة نبراس الإلكترونية التابعة لإتحاد الطلبة في الولايات المتحدة، مقابلة رائعة مع هذه الشخصية الثقافية، مجهود جميل يخرجنا من جو مقابلات السياسة قليلاً، يعتبر الأستاذ طالب الرفاعي من أهم روائيي الكويت، حيث أن له العديد من الأعمال الرائعة والتي تتبنى المجتمع الكويتي كمادة أساسية للكتابة، وسوف نتطرق لأحد أعماله لاحقاً




Tuesday, September 14, 2010

محروقة أصابعنا


د.ابتهال عبدالعزيز الخطيب

إن العداء المرصود للفكر الليبرالي والعلماني في العالمين العربي والإسلامي لهو ظاهرة ذات جذور تاريخية نفسية تستدعي الدراسة المتعمقة، ليس فقط للجذر التاريخي ولكن للجذر النفسي الإنساني، كذلك في كيفية توارثه للضغائن عبر القرون وكيفية إسقاطه لهذه الضغائن على حاضره وما يحيط به من ظروف دون أن يعرف مصدرها الحقيقي، أو كيفية التعامل معها، والأهم كيفية التخلص منها حتى يسير متخففاً من الحقد ويصبح قادراً على التعامل مع، بل الاستفادة من، مصدر الضغينة بحد ذاته.

إن نظرة سريعة لتاريخ الدولة الإسلامية تفشي أسراراً حمراء كثيرة قد تشكل جذوراً لما نعانيه اليوم من داء الاستبداد والعنف. إلا أن هذه الدولة الإسلامية نفسها، في محطاتها المشرقة المختلفة، كانت قد بنت تقدمها الحضاري على أساس من الفكر المترجم لكبار فلاسفة الإغريق واليونان الذين كانوا مصدر الإلهام المباشر للفكر التنويري لابن رشد وللتأملات الوجودية لابن سينا وغيرهما. فإذا كانت الدولة الإسلامية قد مهدت بداية الطريق بالفكر التنويري لحضارة إنسانية بازغة لا يمكن أن تبنى إلا على أساس من الليبرالية الفكرية والسياسية والاقتصادية، فما الذي سبب 'النكسة' التي قادتنا إلى 'نكبتنا' الدامية الحالية؟ من جانب، تكالب حكام طغاة فاسدين على الشعوب العربية الإسلامية، ومن جانب آخر حل عليهم الاستعمار فيما يبدو وكأنه محاولة لإنقاذ هذه الشعوب من حكوماتهم، إلا أنه التف حبلاً مدمياً حول الأعناق مستغلاً بشراهة كل الموارد الطبيعية والقوى البشرية للمنطقة، فارضاً عليهم ثقافة اندمجوا فيها وهم يكرهونها، فدخلوا في صراع مع الذات المنقسمة الهوية وكرهوا أنفسهم قبل الغرب لاستقبال هذه الهوية، وهي كراهية ممتدة ومتوارثة إلى اليوم بصور وأنماط مختلفة.

هذا، وقد زاد الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين الطين بلة، فبقي سكيناً في الخاصرة، تؤلمنا كلما حاولنا التقدم للأمام. بلا شك، خلف الاستعمار العسكري البائد والاحتلال الفلسطيني الممتد وكل ما صاحبهما من تجارب قاسية أسوأ الأثر في نفوس الشعوب العربية والإسلامية، وهو أثر ملموس تجاه كل 'فكر' يأتي من الغرب، ولكنه غير ملموس مطلقاً تجاه 'المحسوس' المستورد. هذا العداء أتى بصورة عكسية في الدول الشرق آسيوية، فاليابان مثلاً، وفي وضع متباين معنا، تناصب الغرب العداء تجاه 'المحسوس'، أما الفكر فهي ترحب به وتنهل منه، فكان أن عادلت الموازين وقلبت سحر القنبلة النووية المدمرة على الساحر. فاليابان تتحسس من استيراد أي منتوجات من الغرب، بل هي تصدر له وتترفع عليه بإمكاناتها الاقتصادية والتكنولوحية والعلمية، في حين أنها ترحب بالفكر الليبرالي الغربي الذي أصبح مصدراً رئيسياً في إلهامها والدفع أماماً بها. أما نحن، فمنذ بداية حركاتنا القومية الحديثة التي اتخذت من الفكر الغربي، لا المنتوجات الغربية، العدو اللدود لها، ونحن ندور في دوامة حارقة من كره الآخر وكره الذات. أسقطنا، وبكل أسف، كل تجاربنا المريرة السابقة، كل الذكريات التي لم نعشها وإنما توارثناها حملاً ثقيلاً، على واقعنا الفكري الحالي، فرفضنا النتاج الفكري الإنساني الأروع القادم من الغرب والذي فيه نجاتنا من دوامتنا، واستقبلنا إنتاجهم المحسوس مقنعين أنفسنا أن ليس في ذلك مذلة، لم لا نناصب 'الشفروليه' و'المرسيدس' و'البي إم دبليو' العداء، في ما نصب جام غضبنا على الفكر الليبرالي الذي، على الرغم من كون صيغته الحديثة مؤسسة غربياً، إنما هو نتاج فكر إنساني طويل لا يخص حضارة معينة بل الإنسانية جمعاء؟ لماذا نناصب العداء للفكر الليبرالي الذي أنقذ أوروبا وأميركا من دمار الحروب الدينية وأسس لحضارتها العلمية الفارعة، ونتمسح بذل قميء بكل محسوس غربي من الدبوس إلى الأقمار الصناعية؟ أوليس من الأجدى أن نستفيد من الفكر الليبرالي التقدمي الذي ساهمنا، كعرب ومسلمين، من الأساس في صنعه، لنصبح صانعين بدلاً من مستهلكين كل مؤهلاتهم نفط نَضوب؟

يبدو أن قرون الطغيان المذل قد نخرتنا 'جينياً' فأصبحنا مخلوقات غاضبة، شعوبا كاملة مصابة بالتوحد، فانكفأنا على أنفسنا لا نريد من العالم شيئاً سوى أن يدس لنا صينية الطعام من تحت عقب الباب، نأكل ونحمد الله ونبصق على اليد الممدودة، دون أدنى مبادرة منا في تعلم الطبخ، بينما كل ما نحتاج اليه هو أن نفتح الباب، نستنشق هواء الحرية، وننطلق الى المطبخ بأنفسنا، عندها نستطيع أن نصنع أشهى الأطعمة المناسبة لذائقتنا، عندها ستكون 'لقيماتنا' أشهى وهي من صنع أيادينا عوضاً عن استيرادها في علب حزينة من الغرب... (ترغبون 'بمحروق صبعه' أصلي صنع بيت؟ دونكم الليبرالية).

وكل عام والجميع بخير


Monday, September 13, 2010

عقود على الديمقراطية


منذ بداية العشرينيات من القرن الماضي ظهرت المطالبات الحقيقة لأهل الكويت بالديمقراطية أي بالمشاركة بإدارة شؤون البلاد و العمل على إبداء الرأي وصنع القرار، فقد ظهرت تلك الرغبات من خلال مطالبتهم بإنشاء مجالس تشريعية عكست مدى الوعي السياسي و الثقافي لديهم، فكان هدفهم المشاركة في السلطة.

مجلس الشورى :

كانت تجربة مجلس الشورى هي الأولى في تاريخ الكويت، رغم قصر عمر هذا المجلس و قلة إنجازاته إلا أن له التأثير الكبير على مشوار الإصلاح السياسي للبلد، ففي عام 1921 طلب عدد من التجار والشخصيات البارزة من أميرها آنذاك الشيخ أحمد الجابر بتأسيس ذلك المجلس آملين أن يكون عوناً للأمير في استشارتهم بإمور تخص البلاد، ، وافق أمير الكويت على تلك المطالب فشكل مجلس شورى تكون من إثني عشر عضواً ترأسه السيد حمد العبدالله الصقر.

لم يستمر المجلس طويلاً حيث أحل بعد بضعة شهور بسبب كثرة الخلافات بين أعضائه، وكانت لبريطانية اليد الخفية في زيادة تلك الخلافات بين أعضائه، وكذلك الضغط البريطاني المستمر على الشيخ أحمد الجابر لينهي موضوع المجلس لمصالح بريطانية والتي يسهل عملها في ظل وجود شخص واحد يمتلك السلطة، رغم بساطة هذا المجلس إلا أنه عبر عن مدى الوعي السياسي الإصلاحي، وكانت تجربة المجلس هي بداية مشوار الإصلاح السياسي بالكويت.

مجلسي البلدي والمعارف:

اراد الكويتيون أن تتكرر تجربة المجلس ولكن على أساس ديمقراطي في مطلع الثلاثينيات، حيث أن يختار الشعب أعضائه عن طريق الإنتخاب، استمر الضغط على الحكومة لإنشاء هذا المجلس الذي سوف يخلق قدر من المشاركة في إتخاذ القرارات، ففي عام 1934 قررت الحكومة إنشاء مجلس للبلدية، لكنه لم يلاقي طموحات الشعب في المجلس الذي أرادوه حيث لم ينتخب جميع أعضائه بل تم اختيار معظم أعضائه من بعض الشخصيات البارزة في المجتمع آنذاك.

استمر الضغط على الحكومة لإنشاء ذلك المجلس، فقررت إنشاء مجلس للمعارف في عام 1936 ولكنه فشل هو الآخر و لاقى مثل معوقات المجلس البلدي.

المجلس التشريعي:

بعد تلك التجارب التي لم تلقى طريقها نحو الغاية التي أرادها الكويتيون، زادت تلك المطالبات وشملت العدد الأكبر من الشعب، حيث تشكلت جمعية من ابناء الكويت سميت "الكتلة الوطنية" طالبوا فيها بإنشاء مجلس تشريعي يعمل بأسس ديمقراطية وذلك بتعيين أعضاءه عن طريق الإنتخابات الحره، واصلاح حال البلد بنشر التعليم وتطوير الخدمات الصحية و تعديل قوانين الجمارك وتوثيق العلاقات الكويتية بالدول العربية، وانهاء معاهدة الحماية البرطانية، ففي يونيو من عام 1938 قرر عدد منهم تقديم عريضة إلى أمير الكويت جاء فيها مدى حرصهم الشديد لإصلاح البلد وأهمية الشورى التي جاء بها الإسلام من خلال إنشاء ذلك المجلس، عندها تمت الموافقة على إنشاء المجلس التشريعي الذي تألف من أربعة عشر عضواً برئاسة الشيخ عبدالله السالم الصباح، تم تعيين عشرة من أعضاءه من أبناء الشعب بالإنتخاب و أربعة من أفراد الأسرة الحاكمة أيضأ عن طريق الإنتخاب، و بذلك تأسس أول مجلس تشريعي في الخليج العربي.

كان للمجلس التشريعي إنجازات عديدة تركزت في تطوير خدمات البلاد وتحسين أداءها، فقد تم إنشاء العديد من الدوائر الحكومية الجديدة منها المالية والشرطة والجوازات، بالإضافة إلى تطوير الخدمات الصحية و إصلاح نظام القضاء و زيادة صلاحيات مجلس المعارف بتطوير التعليم والإستعانة بالكفاءات العربية عن طريق جلب المدرسين من العراق وفلسطين، وكذلك تم إلغاء الضرائب على استيراد البضائع وخفض إيجارات الأسواق التجارية، و من أهم إنجازات ذلك المجلس هو إجتماع رئيس المجلس الشيخ عبدالله السالم الصباح مع أعضاءه لوضع قانون إدارة الحكم الذي لو أقر لكان الدستور الأول في تاريخ الكويت والخليج ومن الأوائل في العالم العربي، ففي يناير من عام 1939 تم وضع مسودة الدستور لإقرارها، و لكن لم تتم الموافقة عليها وأدت إلى خلاف، مما ولد فوضى عمت البلاد أدت إلى حل المجلس، و تزامن ذلك مع ظهور النفط ومخاوف الشعب من استغلال بريطانيا لتلك الثرواث.

بعد ذلك تشكل مجلس تشريعي جديد سمي مجلس الشورى تم إختيار أعضاءه بتعيين مباشر، استمر لفتره و لكنه توقف بعد فتره قيام الحرب العالمية الثانية و إنشغال البلد بتلك الأحداث، لم ينسى أهل الكويت تلك التجربة حيث سمى الشعب تلك السنة 1938 (سنة المجلس) بسبب تلك التجربة المثمره التي طورت البلاد في نواحي عديدة.

ولكن بعد أكثر من أربعين عاماً على ترسيخ مبادئ الديمقرطية و ممارسة الحياة البرلمانية، لازالت ديمقراطيتنا في مرحلتها الأولى، أي مرحلة الثابت، بما معناه أننا لا زلنا نخشى زوالها في يوم من الأيام، و هذا الوضع يعطل مصلحة البلد، فبقاء الديمقراطية على أنها غاية سيجلب العديد من الأزمات، بل ويدخلنا في صراعات لا تزول دون عواقب وخيمة، لذلك حان الوقت لتنتقل الحياة البرلمانية إلى مستوى آخر، نأكد فيه بقاء الديمقراطية في الكويت على أنها وسلية وليس هدف، و نعمل جاهدين أن ترتقي بنا إلى مستويات أفضل لمستقبلنا.

إن الديموقراطية وسيلة تهدف إلى إصلاح البلاد في إتخاذ القرارت التي صوتت عليها أغلبية الشعب مع احترام رأي الأقليات، فهنا يأتي العدل في منح الشعب حقه في المشاركة السياسية في إدارة شئون البلد، و منح الأفراد الحرية في شتى المجالات السياسية والإقتصادية والإجتماعية، وكذلك حرية التعبير والإنتقاد البناء تحت ظل قانون صارم ينظم عمل هذه الحريات و يجنب تعطيلها، إن المشاركة الشعبية الكاملة في إتخاذ القرارات تظهر نوعاً من المساواة بين الأفراد و تولد العزيمة و الإصرار في العمل الجاد والإصلاح، إذن فصلاح البلد و إزدهاره يستوجب توفر ديموقراطية حقيقية.

___________________________

- عبدالعزيز حسين، محاضرات عن المجتمع العربي بالكويت، معهد البحوث والدراسات.

- نجاة عبدالقادر الجاسم، التطور السياسي و الإقتصادي للكويت بين الحربين، 1914-1939،الكويت.

- مفيد الزيدي، التيارات الفكرية في الخليج العربي1938-1971

Saturday, June 5, 2010

بعد التحية


نحن في مأزق، بعد أن أصبحنا نعيش على هامش هذا العالم، وأعني بذلك العالم العربي بوجه العموم والكويت بوجه الخصوص، فحاضر ومستقبل الكويت مرتبط بالدرجة الأولى بحاضر ومستقبل الشعوب العربية، يكمن هذا المأزق في عدم القدرة على التفاعل مع شعوب العالم بل والإنعزال التدريجي عن العالم الخارجي تحت وطأة أنظمة استبدادية وأصولية، حتى بات العرب عالة على هذا العالم وزوالهم يحقق المزيد من الإسقرار لدى مخيلة الكثيرين.

وإن وجدت القليل من المحاولات البسيطة والمتواضعة من أجل خلق و ترسيخ بعض القيم الإنسانية من عدل وحرية وكرامة، إلا أنها محدودة مع يستحقه الإنسان، وقد تكاد تكون معدومة في بعض تلك الأقطار، فهناك كمٌ بسيط وبدائي من الممارسات الديمقراطية وحرية التعبير وحقوق الإنسان والتي لا تزال غير مستقرة.

هذه التجارب والمحولات غير ناجحة وبعيدة عن الإسقرار لأنها محاطة بعدة عقبات تمنعها عن التواجد المطلوب أو الممارسة الحقيقية، سواء على المستوى الكويتي أو على مستوى المناطق المحيطة بالكويت، والتي تتفاوت فيها توفر هذه القيم الأساسية، والتي قد تسبقها الكويت بمعدل بسيط جداً نظراً لظروف معينة.

وبقدر ما تتواجد هذه القيم والحريات في الكويت إلا أنها تتحدد بحضورها بدول ومناطق الجوار، وبكلمات آخرى لن تترسخ هذه القيم بالشكل المطلوب الذي يجب أن تصل إلى ركيزة أساسية هي الإستقرار وغاية ملحة هي الإستمرار إلا إذا توافرت لدى المنطقة برمتها، وهذا هو التحدي الحالي لدى شعوب المنطقة.

لقد عاشت الأقطار العربية إخفاقات كثيرة في القرن الماضي تزامنت مع أحداث مهمة غيرت من مسار هذا العالم، وبالمقابل تولدت أنظمة قمعية زادت من حدة هذا الإخفاق، وفي السنوات الأخيرة تعيش الشعوب العربية مرحلة يغلب عليها الإحباط وخيبة الأمل، وهذا الشعور ولد اليأس والعجز الكامل لمحاولة النهوض من جديد، قد لا يخفى أن الأسباب وراء هذا العجز الكامل تكمن في عدم القدرة على معرفة أو ربما قراءة الأسباب الحقيقية التي أولت إلى تلك الإخفاقات المتتالية، وإلى الآن ليست هناك محاولات جدية لمعرفة تلك الأسباب، ومع مرور الزمن تتسع الفجوة بين العالم المتقدم والعوالم المتخلفة، والتي تشكل الخطر الحقيقي أمام تلك الشعوب وحصرها بين خيارين إما البقاء والإستمرار كحضارة لها ثقافتها التي تميزها عن العوالم الآخرى والتي تساهم في بناء الحضارة الإنسانية، أو الفناء والإندراج تحت ثقافات وحضارات آخرى.

قد لا تتبين مظاهر الخطر في بعض الأقطار العربية وخصوصاً النفطية، لأنها تمتلك ثروة خلقت وهماً بأن هذه الدول تعيش حياة مرفهة تغيب عنها احتملات الخطر، بل وصنعت صورة وهمية تحجب المعانات الحقيقية والمخاطر المستقبلية لدى الشعوب العربية، وجدير بالذكر بأن هذه الثروة ليست نتاج عمل أو تطور حقيقي ولكنها جاءت بالصدفة، والأمر المأساوي الآخر هو أن هذه الثروة ليست لها ركائز تمكنها من الإستمرار بل هي مرتبطة بالعامل الزمني بالدرجة الأولى، ولسوء استخدام هذه الثروة تولدت مجتمعات استهلاكية لدرجة مخيفة، ومجتمعات لا منتجة ولكنها متلقية من الدول الرائدة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.

إذاً فالإخفاق وعدم القدرة على النهوض يكاد يطال جميع الأقطار العربية النفطية واللانفطية، فجميع تلك الدول تعيش حاضر تعيس يغلب علية التخلف و تغيب عنه القيم الإنسانية، وتعيش ضبابية وشلل نحو رؤية المستقبل المطلوب، بصرف النظر عن العامل النفطي الذي ليس إلا ستار يحجب مظاهر الخطر أمام بعض أقطار العالم العربي، وتنحرف الفكرة الحقيقية نحو فهم بناء الحضارة ليكون مجرد مباني خرسانية لن تشفع لأصحابها يوم ينفذ ما لديهم من نفط.

إن مستقبل الكويت والدول العربية مرتبط بالدرجة الأولى بمدى قدرتها على النهوض مجدداً واللحاق بالعالم الذي بات يتقدم بسرعة هائلة بسبب التطور التكنلوجي الكبير الذي ضاعف من إمكانية اللحاق به، واكرر بأننا امام خياران أما محولة النهوض مجدداً أو الفناء والزوال إلى أجل غير مسمى، وما أسعى إليه هنا هو محاولة متواضعة للحوار في أسباب الإخفاق وتوسيع دائرة النقاش، والخوض في مواضيع عديدة عن الكويت بشكل خاص والخليج والعالم العربي بشكل عام، تتركز حول نقاش فكري عقلاني حول بعض القضايا الأساسية، وذلك من خلال تسليط الضوء على الثقافة ودور الاعلام، وتأثير الإيديلوجيات في المجتمعات العربية وبالسياسة، بالإضافة إلى تسليط الضوء على بعض المساهمات الثقافية والأدبية من بعض مثقفي العرب، لتكون ولو مجرد شمعة وسط عوالم من الظلام.