Wednesday, October 20, 2010

كن بلسماً

لا تطلبنّ محبةً من جاهلٍ المرءُ ليس يُحَبُّ حتى يُفهما

وارفقْ بأبناء الغباء كأنهم مرضى، فإنّ الجهل شيءٌ كالعمى

والهُ بوردِ الروضِ عن أشواكه وانسَ العقاربَ إن رأيت الأنجما

إيليا أبو ماضي

Saturday, October 9, 2010

تخلف


للتطور مقاييس ومعايير دولية تحدد موقع الدول في تقسيمات التطور والتقدم، وعلى العكس من ذلك، فإن التخلف لا معايير له، فالتراجع في معدلات النمو والتعليم والصحة والحريات والاستقرار النفسي والمعيشي والمالي، هو من مؤشرات التخلف، ولا تسعى الأمم والشعوب إلى التخلف، ويحاول الشخص السوي ألا يتخلف في حياته، بل يستمر في الكفاح بالحياة لتحقيق النجاحات وإنجاز الطموحات.

والتخلف كلمة حديثة بمدلولاتها الاجتماسية (الاجتماعية - السياسية)، وهي مشتقة من جذر خلف، والخلف عكس السلف، والكلمتان مرتبطتان بدعاء شائع: «اللهم اجعله خير خلف لخير سلف»، ومنها خلف بمعنى وراء، والخلوف رائحة بقايا أكل الصائم، كما وردت في الحديث، والخَلْفة الناقة التي تدر الحليب وجمعها في لهجة أهل الخليج خلفات، والخِلْفة هي الأولاد. والتخلف العقلي مرتبط بالحالة العقلية ومستويات الذكاء لدى الأفراد، ويجادل البعض بأنها يمكن أن تكون حالة جماعية، أي أنها يمكن أن تصيب جموعا وأمما بأكملها.

وارتبطت كلمة التخلف بكلمة الرجعية إبان المد الثوري في الستينات، وتعاكست الكلمتان بالمعنى مع كلمة التقدمية. ومن الأخطاء الشائعة ارتباط التخلف بالقمة، فيقال: «قمة التخلف»، فالتخلف قاع وليس قمة، ويرتبط التخلف بالنهايات، حيث يقال: منتهى التخلف، وهو مصطلح منطقي في عالم العقل والمنطق، ولكن التخلف في عالمنا العربي والإسلامي بلا منطق، وليس له منتهى، فكلما اعتقدنا أن أمرا ما هو «قمة ومنتهى التخلف» فاجأنا أمر مستجد يجعل من سابقه قمة التقدم والتطور.

فعالمنا العربي العتيد يعج بمظاهر للتخلف مثيرة للشفقة جدا. حيث يأخذ أشكالا ونماذج عديدة. من حالات التخلف الثقافي أن مكتبتنا العربية تعج بردود بالعشرات على كتاب تافه لكاتب مغمور هو سلمان رشدي «آيات شيطانية»، ولكن الكتاب منع وما زال ممنوعا، فكيف ترد على شيء ممنوع وغير متوفر ولا هو بموجود؟ المشكلة - التخلف أن منع الكتب لا يزال يمارس في عالمنا حتى يومنا هذا، في عز ثورة الإنترنت والقدرة على تحميل أي كتاب من أي مكان وبأية لغة كانت!

من مظاهر التخلف السياسي، أن العراق لا يزال بلا حكومة بعد مضي أكثر من سبعة أشهر على تصويت ملايين العراقيين لحفنة من المرشحين، والأكثر تخلفا أن إرادة هذه الملايين التي صوتت يتم تجاهلها وتجري مشاورات تشكيل حكومتهم في طهران التي تصارع تشكيكا في صحة انتخاب رئيسها أصلا!

ياسر الحبيب شخصية دينية كويتية موتورة ومشبوهة، وهارب إلى لندن منذ شهور، سب وشتم عائشة بنت أبي بكر - زوجة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) - وهي التي توفاها الله منذ أكثر من أربعة عشر قرنا. غاية التخلف أن تجعل من شتم وسب الموتى منهجا فكريا وسياسيا. الحكومة الكويتية سحبت جنسية الحبيب عقابا له!! كانت الكويت قد سحبت جنسية سليمان بوغيث المتحدث باسم «القاعدة» الذي انقطعت أخباره. ما دخل الجنسية بما يقوله شخص ما مهما شذ قوله واعوج رأيه؟

أصوات التخلف تعالت احتجاجا على منع فرنسا وبلجيكا للنقاب في الأماكن العامة: بسيطة، لا تذهبوا إلى فرنسا وبلجيكا فأرض الله واسعة، وبلاد المسلمين - ولله الحمد والمنة - من باكستان شرقا وحتى مراكش غربا، ومن لا يعجبه قانون فرنسا ويصر على لبس النقاب فيها فليخرج منها حفاظا على نقابه! بل فليعتبر خروجه منها جهادا هربا وبدينه، تيمنا بالمسلمين الأوائل الذي فروا بدينهم للحبشة ثم إلى يثرب بسبب تضييق كفار قريش عليهم.

قمة ومنتهى التخلف في مناهج تعليمنا التي لا تزال تخلط تعليم المعتقدات الراسخة بالعلوم المتحركة، ثم ننظر في مخرجات تعليمنا ونمطّ شفاهنا استغرابا لمؤشرات «التخلف» في عالمنا.

Thursday, October 7, 2010

جروح الذاكرة لتركي الحمد

قد يضيع الإنسان في فهم ذاته، ويتوه في معرفة سر وجودها، فحاول منذ الأزل أن يجد لهذا اللغز حلاً يعينه على فهم ذاته التي لازالت غامضة، ليتوه بين دهاليز الزمان والمكان، هي أحد أعمال الروائي السعودي تركي الحمد، والتي عشنا بها معه وعاشت بنا في عوالم آخرى بعيدة كل البعد عن ما نتصور، وقريبة كل القرب على الذات الإنسانية، لتأتي راوية جروح الذاكرة فتحيا في عوالم آخرى وسط الواقع الدفين، لتجعلنا نتوقف قليلاً للتفكير في أنفسنا وفي حياتنا ومن هم حولنا، ولننظر إلينا وإلى هذا العالم من منظور مغاير.

هي لطيفة صالح الأثلة، التي تجسدت فيها هذه الروح الإنسانية، لتضيع بين حد زمانها ورقعة مكانها، عاشت طفولتها في إحدى قرى نجد المنسية، وأحكم الزمان قبضته على ذاكرتها هناك، لتخرج إلينا بتلك الذكريات عن الطفولة وكيفية العيش فى تلك الأيام، وما هي طبيعة الحياة، وكيف تحفر بنا من أفكار تبقى معنا حتى تحين لحظتنا، حتى وإن لم ندرك ذلك فقد تكون محفورة بنا في عقلنا اللاواعي، يتغير الحال على المنطقة بأسرها وتتغير حياة لطيفة من القرية إلى المدينة، ومن الفقر إلى الثراء، ولكن هذه الذكرايات لاتزال تحكم قبضتها عليها، وتظن لطيفة بأن هذا هو الزمان وهذه هي الحياة، جاءت فوجدتها كذلك، وجاء من هم قبلها فوجدوها كذلك، وسيأتي من بعدها ليجدها كذلك، فإما أن تسايرها وتعيش أو أن تفنى وتندثر، هذا ما تعلمته من الزمان، بصرف النظر عن ما إذا كان هذا الشيء صواب أم خطأ، فليس من حقها الإعتراض على ذلك ولا حتى النقاش فيه، فقد أصبح جزء من عقلها وأساساً لقناعاتها، وليس للناس من ذلك شيء، ولكنها تدرك لاحقاً وبعد أمدٍ طويل وعناء مريب بأنها كانت مخطئة، فالحياة هي الحياة لا تتغير ثابتة، ولكن الناس هم من يتغيرون وهم من يغيرون.

رواية رائعة...